سورة القصص - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ موسى فَارِغاً} صفراً من العقلِ لِمَا دهمَها من الخوفِ والحيرةِ حين سمعتْ بوقوعِه في يدِ فرعونَ لقولِه تعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} أي خلاءُ لا عقولَ فيها ويعضدُه أنَّه قرئ: {فَرغاً} من قولِهم: دماؤهم بينهم فرغٌ أي هَدرٌ وقيل: فارغاً من الهمِّ والحُزن لغايةِ وثوقِها بوعدِ الله تعالى أو لسماعِها أنَّ فرعونَ عطفَ عليه وتبنَّاهُ وقرئ: {مُؤْسى} بالهمزِ إجراءً للضَّمة في جارة الواوِ مجرى ضمَّتِها فهمزت كما في وجوهٍ {إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ} أي إنَّها كادتْ لتظهرُ بموسى أي بأمرِه وقصَّتِه من فرطِ الحيرةِ والدَّهشةِ أو الفرحِ بتبنيهِ {لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} بالصَّبرِ والثَّباتِ {لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين} أي المُصدِّقين بوعدِ الله تعالى أو من الواثقينَ بحفظِه لا بتبنِّي فرعونَ وتعطفِه وهو علَّةُ الرَّبطِ وجوابُ لولا محذوفٌ لدلالةِ ما قبله عليهِ.
{وَقَالَتْ لاخْتِهِ} مريمَ والتَّعبيرُ عنها بأخوَّتِه عليه الصَّلاة والسَّلام دونَ أنْ يقال لبنتِها للتَّصريحِ بمدار المحبَّةِ الموجبةِ للامتثالِ بالأمرِ {قُصّيهِ} أي اتبعِي أثرَه وتتبَّعي خبرَه {فَبَصُرَتْ بِهِ} أي أبصرتْهُ {عَن جُنُبٍ} عن بُعدٍ. وقرئ بسكونِ النُّونِ، وعن جانبٍ. والكلُّ بمعنى {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أنَّها تقُصُّه وتتعرفُ حالَه وأنَّها أختُه {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المراضع} أي منعناه أنْ يرتضعَ من المرضعاتِ. والمَرَاضعُ جمعُ مرضعٍ وهي المرأةُ التي تُرضع أو مُرضع وهو الرَّضاعُ أو موضعُه أعني الثَّديَ {مِن قَبْلُ} أي من قبلِ قصِّها أثرَه {فَقَالَتْ} عند رؤيتِها لعدمِ قَبُولِه الثَّديَ واعتناءَ فرعونَ بأمرِه وطلبَهم من يقبلُ ثديَها {هَلْ أَدُلُّكُمْ على أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} أي لأجلِكم {وَهُمْ لَهُ ناصحون} لا يُقصِّرون في إرضاعِه وتربيتِه. رُوي أنَّ هامان لمَّا سمعَه منها قال: إنَّها لتعرفُه وأهلَه فخذُوها حتَّى تخبرَ بحالِه فقالتْ: إنَّما أردتُ وهم للملكِ ناصحُون فأمرَها فرعونُ بأنْ تأتيَ بمَن يكفلُه فأتتْ بأمِّه ومُوسى على يدِ فرعونَ يبكِي وهو يُعلله فدفعَه إليها فلمَّا وجدَ ريحَها استأنسَ والتقمَ ثديها فقالَ: مَن أنتِ منه فقد أبَى كلَّ ثديٍ إلا ثديكِ فقالتْ: إنِّي امرأةٌ طيبةُ الريح طيبة اللبنِ لا أُوتى بصبيَ إلا قبِلني فقرَّره في يدِها وأجرى عليها فرجعتْ إلى بيتِها من يومِها وذلكَ قولُه تعالى:


{فرددناه إلى أُمّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} بوصولِ ولدِها إليها {وَلاَ تَحْزَنْ} بفراقِه {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله} أي جميعَ ما وعدَهُ من ردِّه وجعلِه من المُرسلينَ {حَقّ} لا خُلفَ فيه بمشاهدةِ بعضِه وقياسِ بعضِه عليه {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أنَّ الأمرَ كذلكَ فيرتابونَ فيهِ أو أنَّ الغرضَ الأصليَّ من الردِّ علمُها بذلك وما سواه تبعٌ، وفيه تعريضٌ بما فَرَط منها حين سمعتْ بوقوعِه في يدِ فرعونَ.
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} أي المبلغَ الذي لا يزيدُ عليه نشؤُه وذلك من ثلاثينَ إلى أربعينَ سنة فإنَّ العقلَ يكملُ حينئذٍ. ورُوي أنَّه لم يُبعثْ نبيٌّ إلا على رأسِ الأربعينَ {واستوى} أي اعتدلَ قدُّه أو عقلُه {اتَيْنَاهُ حُكْمًا} أي نبوَّةً {وَعِلْماً} بالدِّينِ أو علمَ الحُكماءِ والعُلماءِ وسمتَهم قبل استنبائِه فلا يقولُ ولا يفعلُ ما يُستجهلُ فيهِ وهو أوفقُ لنظْمِ القصَّةِ لأنَّه تعالى استنبأهُ بعد الهجرةِ في المُراجعةِ {وكذلك} ومثلَ ذلكَ الذي فعلنَا بمُوسى وأمِّه {نَجْزِى المحسنين} على إحسانِهم. {وَدَخَلَ المدينة} أي مصرَ من قصرِ فرعونَ وقيل: منفُ أو حابينُ أو عينُ شمسٍ من نواحِيها {على حِينِ غَفْلَةٍ مّنْ أَهْلِهَا} في وقتٍ لا يُعتادُ دخولُها أو لا يتوقعونَه فيه قيل: كان وقتَ القيلولةِ وقيل: بينَ العشاءينِ {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هذا مِن شِيعَتِهِ} أي ممَّن شايعُه على دينِه وهم بنو إسرائيلَ {وهذا مِنْ عَدُوّهِ} أي من مخالفيهِ ديناً وهم القِبطُ. والإشارةُ على الحكايةِ {فاستغاثه الذى مِن شِيعَتِهِ} أي سألَه أنْ يغيثَه بالإعانة كما ينبىءُ عنه تعديتُه بعَلَى. وقرئ: {استعانَه} {عَلَى الذى مِنْ عَدُوّهِ فَوَكَزَهُ موسى} أي ضرب القبطيَّ بجُمعِ كفِّه. وقرئ: {فلكزَه} أي فضربَ به صدرَهُ {فقضى عَلَيْهِ} فقتلَه وأصلُه أنهى حياتَه من قولِه تعالى: {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الامر} {قَالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشيطان} لأنَّه لم يكُن مأموراً بقتلِ الكفَّار أو لأنَّه كان مأموناً فيما بينهم فلم يكُن له اغتيالُهم. ولا يقدحُ ذلك في عصمتِه لكونِه خطأً وإنما عدَّه من عملِ الشَّيطانِ وسمَّاه ظُلماً واستغفرَ منه جرياً على سُنَنِ المقرَّبينَ في استعظامِ ما فرطَ منهم ولو كانَ من مُحقِّراتِ الصَّغائرِ {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} ظاهرُ العداوةِ والإضلالِ.
{قَالَ} توسيطُه بين كلاميهِ عليه الصَّلاة والسَّلام لإبانةِ ما بينهما من المخالفةِ من حيثُ إنَّه مناجاةٌ ودعاءٌ بخلافِ الأولِ {رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى} أي بقتلِه {فاغفر لِى} ذَنبي {فَغَفَرَ لَهُ} ذلك {إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم} أي المبالغُ في مغفرةِ ذنوبِ عبادِه ورحمتِهم.


{قَالَ رَبّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَىَّ} إمَّا قسمٌ محذوفُ الجوابِ أي أقسمُ بإنعامِك عليَّ بالمغفرةِ لأتوبنَّ {فَلَنْ أَكُونَ} بعدَ هذا أبداً {ظَهِيراً لّلْمُجْرِمِينَ} وإمَّا استعطافٌ أي بحقِّ إنعامِكَ عليَّ اعصمنِي فلنْ أكونَ معيناً لمن تؤدي معاونتُه إلى الجُرمِ. وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لم يستئنِ فابتُليَ به مرَّةً أُخرى، وهذا يؤيدُ الأولَ، وقيل: معناهُ بما أنعمتَ عليَّ من القوَّةِ أعينُ أولياءكَ فلن استعملَها في مُظاهرةِ أعدائِكَ {فَأَصْبَحَ فِى المدينة خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} يترصَّدُ الاستفادةَ أو الأجنادَ {فَإِذَا الذى استنصره بالامس يَسْتَصْرِخُهُ} أي يستغيثُه برفعِ الصَّوتِ من الصُّراخ {قَالَ لَهُ موسى إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ} أي بيِّنُ الغوايةِ تسببتَ لقتلِ رجلٍ وتُقاتلُ آخرَ {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ} مُوسى {أَن يَبْطِشَ بالذى هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا} أي لموسى وللإسرائيليِّ إذ لم يكن على دينِهما ولأنَّ القِبطَ كانُوا أعداءً لبني إسرائيلَ على الإطلاقِ. وقرئ: {يبطُش} بضمِّ الطَّاءِ {قَالَ} أي الإسرائيليِّ ظانّاً أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام يبطشُ به حسبما يُوهمه تسميتُه إيَّاه غويّاً {قَالَ ياموسى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بالامس} قالُوا: لما سمعَ القبطيُّ قولَ الإسرائيليُّ علمَ أنَّ موسى هو الذي قتلَ ذلك الفرعونيَّ فانطلق إلى فرعونَ فأخبرَهُ بذلك وأمرَ فرعونُ بقتلِ مُوسى عليه السَّلامُ وقيل: قاله القبطيُّ {إِن تُرِيدُ} أي ما تريدُ {إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِى الارض} وهو الذي يفعلُ كلَّ ما يريدُه من الضربِ والقتلِ ولا ينظرُ في العواقبِ وقيل: المتعظِّمُ الذي لا يتواضعُ لأمرِ الله تعالى {وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المصلحين} بينَ النَّاسِ بالقولِ والفعلِ. {وَجَاء رَجُلٌ مّنْ أَقْصَى المدينة} أي كائنٌ من آخِرها أو جاءَ من آخِرها {يسعى} أي يسرعُ، صفةٌ لرجلٌ أو حالٌ منه على أنَّ الجارَّ والمجرورَ صفةٌ له لا متعلَّق بجاء فإن تخصصه يلحقه بالمعارفِ قيل: هو مؤمنُ آلِ فرعونَ واسمُه حِزْقيلُ وقيل: شَمعُون وقيل: شَمعانُ {قَالَ يَا موسى إنِ الملا يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} أي يتشاورُون بسببكَ فإنَّ كلاًّ من المتشاورينَ يأمرُ الآخرينَ ويأتمرُ {فاخرج} أي من المدينةِ {إِنّى لَكَ مِنَ الناصحين} اللامُ لبيانِ لما أنَّ معمولَ الصِّلةِ لا يتقدمُها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8