{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ موسى فَارِغاً} صفراً من العقلِ لِمَا دهمَها من الخوفِ والحيرةِ حين سمعتْ بوقوعِه في يدِ فرعونَ لقولِه تعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} أي خلاءُ لا عقولَ فيها ويعضدُه أنَّه قرئ: {فَرغاً} من قولِهم: دماؤهم بينهم فرغٌ أي هَدرٌ وقيل: فارغاً من الهمِّ والحُزن لغايةِ وثوقِها بوعدِ الله تعالى أو لسماعِها أنَّ فرعونَ عطفَ عليه وتبنَّاهُ وقرئ: {مُؤْسى} بالهمزِ إجراءً للضَّمة في جارة الواوِ مجرى ضمَّتِها فهمزت كما في وجوهٍ {إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ} أي إنَّها كادتْ لتظهرُ بموسى أي بأمرِه وقصَّتِه من فرطِ الحيرةِ والدَّهشةِ أو الفرحِ بتبنيهِ {لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} بالصَّبرِ والثَّباتِ {لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين} أي المُصدِّقين بوعدِ الله تعالى أو من الواثقينَ بحفظِه لا بتبنِّي فرعونَ وتعطفِه وهو علَّةُ الرَّبطِ وجوابُ لولا محذوفٌ لدلالةِ ما قبله عليهِ.{وَقَالَتْ لاخْتِهِ} مريمَ والتَّعبيرُ عنها بأخوَّتِه عليه الصَّلاة والسَّلام دونَ أنْ يقال لبنتِها للتَّصريحِ بمدار المحبَّةِ الموجبةِ للامتثالِ بالأمرِ {قُصّيهِ} أي اتبعِي أثرَه وتتبَّعي خبرَه {فَبَصُرَتْ بِهِ} أي أبصرتْهُ {عَن جُنُبٍ} عن بُعدٍ. وقرئ بسكونِ النُّونِ، وعن جانبٍ. والكلُّ بمعنى {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أنَّها تقُصُّه وتتعرفُ حالَه وأنَّها أختُه {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المراضع} أي منعناه أنْ يرتضعَ من المرضعاتِ. والمَرَاضعُ جمعُ مرضعٍ وهي المرأةُ التي تُرضع أو مُرضع وهو الرَّضاعُ أو موضعُه أعني الثَّديَ {مِن قَبْلُ} أي من قبلِ قصِّها أثرَه {فَقَالَتْ} عند رؤيتِها لعدمِ قَبُولِه الثَّديَ واعتناءَ فرعونَ بأمرِه وطلبَهم من يقبلُ ثديَها {هَلْ أَدُلُّكُمْ على أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} أي لأجلِكم {وَهُمْ لَهُ ناصحون} لا يُقصِّرون في إرضاعِه وتربيتِه. رُوي أنَّ هامان لمَّا سمعَه منها قال: إنَّها لتعرفُه وأهلَه فخذُوها حتَّى تخبرَ بحالِه فقالتْ: إنَّما أردتُ وهم للملكِ ناصحُون فأمرَها فرعونُ بأنْ تأتيَ بمَن يكفلُه فأتتْ بأمِّه ومُوسى على يدِ فرعونَ يبكِي وهو يُعلله فدفعَه إليها فلمَّا وجدَ ريحَها استأنسَ والتقمَ ثديها فقالَ: مَن أنتِ منه فقد أبَى كلَّ ثديٍ إلا ثديكِ فقالتْ: إنِّي امرأةٌ طيبةُ الريح طيبة اللبنِ لا أُوتى بصبيَ إلا قبِلني فقرَّره في يدِها وأجرى عليها فرجعتْ إلى بيتِها من يومِها وذلكَ قولُه تعالى: